أرشيف

واقع وتحديات المجتمع المدني على طاولة التقييم في مركز المعلومات  

شدَّد الدكتور فؤاد الصلاحي على ضرورة احتلال منظمات وناشطي المجتمع المدني وحقوق الإنسان الفضاءات الثقافية بدلاً عن احتلاها من قبل الدولة، منتقداً غياب التشبيك بين جميع المنظمات والناشطين في البلاد العربية من المغرب حتى مصر واليمن.

وقال الصلاحي: «الدولة أصبحت تزايد على المجتمع المدني، وإلا فما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه وزارة حقوق الإنسان مثلاً في ظل منظومة سلطوية تنتهك حقوق الإنسان بما في ذلك وزارتي التربية والتعليم والثقافة..؟».

وفي حلقة النقاش عن حركة حقوق الإنسان .. الواقع والتحديات الراهنة التي نظمها مركز المعلومات والتأهيل لحقوق عصر الأحد شدد الصلاحي على ضرورة إيجاد رؤية استراتيجية وبناء علاقات بين منظمات المجتمع المدني بكافة تخصصاتها، وعدم الخوف هذه المنظمات من التسييس كون العمل الحقوقي هو عمل سياسي بالأساس، وأن عليها أن تعمل بمهنية وحيادية في القضايا الحقوقية.

وأشار إلى أن من أنشأ منظمات المجتمع المدني هم يساريون، وأن اليسار عائد إلى الساحة من خلال منظمات المجتمع المدني التي سيكون لها دور حقيقي في التغيير كون الأحزاب السياسية أصبحت تقوم بدور تكميلي للسلطات والأنظمة، وحيث أن عودة أصول هذه المنظمات إلى اليسار لا يعدُّ عيباً فيها، فقد نبه الصلاحي إلى أن العيب يكمن في أدلجة أنشطة وفعاليات ومواقف هذه المنظمات كما حدث بالضبط مع حركات وأحزاب اليسار في الماضي.

وفي هذه النقطة أكد عز الدين الأصبحي رئيس مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان أن العملية السياسية أرقى من العملية الحقوقية لأن السياسية تنادي بالتغيير.

واتفق مع الصلاحي في أن من أنشأ منظمات المجتمع المدني هم يساريون في الأصل، وذلك بعد يأسهم من واقع اليسار والحركات القومية، مشيراً إلى أن العلاقة بين السياسي والحقوقي ستظل متماهية إلى أمد بعيد، وأنه ليس من العيب أن ينشط الحقوقي سياسياً، كون جميع القضايا الحقوقية هي سياسية في الأصل.

وقال الأصبحي: «تظهر قوة الحركة الحقوقية عندما تستجيب الأنظمة إلى لنداءاتها وتوقف الانتهاكات التي تمارسها»، متسائلاً عن إمكانية كسر حاجزي الصمت والخوف حول رؤية الشراكة بين الحكومة والمجتمع المدني.

وانتقد رئيس مركز المعلومات الآليات الجديدة للحكومات في التعامل مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتبنيها ما أطلق عليه «الديمقراطية المراوغة» التي صارت نماذج في البلاد العربية، ومن منجزاتها وجود نساء معدودات في البرلمانات والحكومات، في حين توقفت المنظمات عن تطوير أدائها وتبني المطالب الديمقراطية الحقيقية.

ونبه بوجود منظمات دولية كبرى تقوم بممارسة أنشطة ومشاريع متناهية في الصغر داخل اليمن بترخيص من وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وهو ما يفترض أن تقوم به منظمات المجتمع المدني اليمنية التي يتم ضربها وتجفيف منابع دعمها من قبل السلطات الرسمية، واستبدالها بالمنظمات الدولية التي تستقدم تمويلاً يفترض به أن يتجه لدعم المجتمع المدني المحلي.

وحذر الأصبحي من إنهاك المجتمع المدني ومن ثم مطالبته بالشراكة مع الحكومة في التنمية بنفس الطريقة التي تم بها إنهاك الأحزاب السياسية ومنعها من العمل العلني، ومطالبتها بعد أربعين عاماً من الملاحقات والإقصاء العنيف بالشراكة في العملية الديمقراطية، مشدداً على ضرورة تقييم حقيقي لواقع منظمات المجتمع المدني في اليمن بعد خمسة عشر عاماً من العمل الحقوقي.

وكان المتحدث الأول في الحلقة الناشط الحقوقي نجاد البرعي من مصر أشار إلى ثلاث تحديات تواجها الحركة الحقوقية، أولها التحدي القديم المتجدد والمتمثل بالتسييس كون من أسس حركة حقوق الإنسان هم في الأصل سياسيون ومسيسون منذ اجتياح بيروت وميلاد المنظمة العربية لحقوق الإنسان عام 83م، والثاني يتمثل في التمويل الذي بموجبه تعيش هذه الحركة الحقوقية وتسيِّر أمورها وأنشطتها حيث أن هذا التحدي يتضاعف تدريجياً بزيادة المهنية الحقوقية وتراجع مستوى التطوع.

ويأتي التحدي الثالث بحسب البرعي في التعامل مع الدول قليلة الخبرة والحيلة وما يمثله ذلك من صعوبة في التأقلم مع البيئات الدولية.

وشبه العمل المدني بأنه أقرب إلى عمل الدعاة والرهبان الذين يبشرون بقيم العدل والمساواة والحقوق الإنسانية ويدافعون عنها بعيداً عن خيرات الحكم والاقتتال على الغنائم .

وهاجم البرعي الأحزاب السياسية معتبراً إياها حالة من حالات انتهاك الحقوق وقد تكون اول من تطيح بحقوق الإنسان حال وصولها إلى السلطة متهما قدراتها بالتراجع نتيجة اعتمادها على الشيوخ كبار السن، وعزوفها عن الشباب القادرين على الوصول إلى قطاع واسع من الناس بعكس الحركة الحقوقية.

وانتقدت الناشطة بلقيس اللهبي اهتمام المنظمات الحقوقية بالحقوق السياسية والمدنية الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية، وإغفالها الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي سيجد الاهتمام بها صدى واسعاً لدى فئات المجتمع المدني.

وأشادت اللهبي بالمبدأ الذي حققه المرصد اليمني لحقوق الإنسان عبر تخصيصه التقرير السنوي الصادر عنه للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، منتقدة أدوار منظمات المجتمع المدني التي شبهتها بأدورا شيوخ القبائل حتى أنها لم تقدم حتى الآن شيئاً جديداً، وكذلك النفس القصير لأنشطتها ومواقفها وعدم قدرتها على الاستمرار.

من جهته انتقد جمال الشامي الشللية في العمل المدني، واقتصار المشاركات في الأنشطة والتأهيل والتدريب على أسماء محددة باستمرار بسبب علاقات الصداقة والمصالح، وركز نقده على المنظمات التي تنشأ من أجل الحصول على التمويل، ولا تمارس سوى أنشطة دعائية، ومن ذلك المنظمات التي تظهر في مواسم الانتخابات.

وذكّر محمد المقطري المدير التنفيذي للمرصد اليمني لحقوق الإنسان بوجود منظمات دينية في الأساس تعمل في القطاع المدني، برغم أنها تؤمن بالتمييز بين البشر على أساس الدين والمعتقد، وهي المنظمات التي وصفها بالمنتشرة وتعمل من خلال المجتمع المدني لمواكبة المرحلة رغم أنها تناهض في الأصل كونية وشمولية حقوق الإنسان.

ويرى المقطري أن لليسار بعد إنساني أكثر من غيره من التيارات، لكنه انتقد العمل الحقوقي المؤدلج، مشيراً إلى أن أهم التحديات التي تواجه العمل المدني هو عدم وجود ديمقراطية داخل المؤسسات المدنية.

أما الناشط أحمد الزوقري فقد انتقد مصطلح الشراكة مع الحكومة والدولة لعدم وجود الدولة التي يبحث الناشطون عن الشراكة معها، مشيراً إلى أن الحديث عن حقوق الإنسان مقبول ومسموح به من قبل رموز النظام، لكنه يتحول إلى عمل سياسي مؤدلج ومجير ضد مصالح الوطن حينما يأتي الحديث عنه من قبل الناشطين ومعارضي النظام.

وكانت الحلقة النقاشية استضافت الناشط الحقوقي نجاد البرعي من مصر للحديث عن دور تحديات المجتمع المدني ودورها، متحدثاً عن ضرورة الشراكة مع الحكومات، والعمل من خلال سياقات تلك الشراكة.

ورأى البرعي أن عدم  وجود ديمقراطية في المؤسسات المدنية أو تحويلها إلى أسرية وفئوية ليس بالعيب الذي ينبغي التركيز عليه، مؤكداً على أن النقد ينبغي أن يوجه إلى أنشطة وفعاليات المنظمات ومواقفها وسبل عملها.

وذهبت هدى العطاس إلى أن وجود منظمات المجتمع المدني أفقياً، وليس رأسياً، مطالبة بالبحث عن الشراكة مع مؤسسات الدولة، وليس مع رأسها.

وعن علاقة اليسار بالعمل المدني نفت وجود مناطق مشتركة بين اليساري والناشط المدني، حيث الأول لديه الاستعداد لدفع كلفة اجتماعية مقابل قناعاته، على التصادم مع المجتمع من أجل التغيير، وأن حركة اليسار غيرت الكثير من الذهنيات والتقاليد الاجتماعية في البلاد العربية، بينما الناشط الحقوقي يأتي وفي ذهنه تتمثل أعراف مجتمعه التقليدي ليعمل دائماً من خلف الزجاج دون القدرة على الصدام من أجل التغيير.

واتفق المشاركون في الورشة على فعاليات نقاشية وعملية خلال الأشهر القادمة لتقييم أداء المجتمع المدني، وأنشطته ومواقفه.

زر الذهاب إلى الأعلى